أنا اللفحة النارية، أجول كما ومتى أشاء بلا قيد ورقيب
د. الحسن أشباني :أنا اللفحة النارية يعتبروني من أهم الأمراض التي تصيب الأشجار المثمرة ذات البزرة كالإجاص والتفاح و السفرجل وعددا من نباتات الزينة التابعة للعائلة الوردية. وأقر أني بذلك، إذ أصيب أزيد من 75 صنف نباتي منتمي لـعائلة الورديات (أهمها الإجاص والتفاح)، وأسبب خسائر مادية لا حصر لها، وبمقدروي تدمير ضيعة فلاحية بكاملها (صنف حساس) في غضون اسابيع قليلة. أنا الآن متواجد وبشكل رسمي في 5 دول في أمريكيا الشمالية (كندا وأمريكا..) و 29 دولة في أوروبا (ألمانيا و هولندا و فرنسا و بريطانيا ..) و3 دول في آسيا (ايران وتركيا..) و9 دول في حوض بحر الأبيض المتوسط (اسبانيا و ايطاليا و قبرص..). أما في الدول العربية، فأنا معشعش في كل من مصر ولبنان والأردن وسوريا والمغرب، ودول أخرى عربية وغير عربية لا تريد الإعتراف بي اليوم ولكنها ستكون مضطرة لذلك غذا أو بعد غذ، كالعربية السعودية والصين و غواتيمالا و الهند و كوريا و اوكرانيا و الفيتنام.
يسمونني بلغتهم العلمية أروينيا أميروفورا (Erwinia amylovora ) وبلغة المزارعين المغارية “روينا” (بمعنى الفوضى) ومصنفة في لائحة A2 لدى المنظمة الأروبية لحماية النبات التي تحكمها قوانين الحجر الزراعي فى إطار الاتفاقية الدولية لحماية المزروعات التى وقعت لأول مرة فى روما عام 1951. كما لا يفوتني أن أذكر أن هناك أخت لي (أروينيا بيروفوليا “ E. pyrifoliae “)، تسبب نفس أعراضي و لكن فقط على الأجاص الأسيوي، وأخرى باسبانيا
مختلفتين تماما معي في بعض الخصائص البيوكيماوية والجزيئية كما يقول بذلك المختصون.
وأما عوائلي التي اهاجمها فهي بداية الأشجار المثمرة مثل التفاح و الإجاص و السفرجل و المزاح والناشي، فالأصناف التزيينة الطبيعية كالزعرور (L’aubépine) و شوك النار (Le pyracantha) و العرفج (Le cotoneaster) و ، السفرجل الياباني (Les cognassiers du Japon) و الغبيراء (Le sorbier).
في المغرب، ظهرت فجأة وبدون سابق إنذار في أواخر شهر مايو 2006، في احدى الضيعات بضواحي مكناس في كل من أشجار الإجاص (نسبة العدوى تقدر بـ 30 بالمائة) و التفاح (5 بالمائة) و أشجارالسرفجل (2 بالمائة).
و في شهر مايو و يونيو 2007، هاجمت 6 ضيعات جديدة بالجماعات القروية لكل من عين عرمة و ايت ولال ودار أم السلطان وعين تاوجضات.
صحيح، أنه بمجرد ظهوري على الساحة، تحركت مصالح وزارة الفلاحة المكلفة بوقاية النبات مركزيا و محليا من أجل متابعة مسار اضراري وايجاد الطرق المناسبة لحصري و القضاء علي. فقد جرى بسببي اجتثات وحرق 51 هكتار و معالجة 61 هكتار ضانا من الجميع أنني رميت بالضربة القاضية المفصلية… ولكن أنى لهم ذلك…
ففي سنة 2008، زحفت بشكل سريع أقلقت المتتبعين لشأني من المسؤولين على مايبدو والمزارعين بكل تأكيد الى مناطق أخرى مثل الحاجب و الخنيفرة وأزرو و ايموزار و صفرو وتاونات إضافة الى بؤر أخرى جديدة بمكناس. فانا متواجد في أزيد من 50 ضيعة وأن أكثر من 500 هكتار مصابة بي، وكلها تقريبا من الإجاص، وبسببي أيضا تم ازالة و حرق أزيد من 30 هكتارات من هذا الصنف حسب مديرية وقايات النبات والمراقبة التقنية وزجر الغش. أما بالنسبة للتفاح، فانا كنت رحيما بها وقتها، فنسبة اصابتي لها، لا تتجاوز شجيرات معدودة.
أما في سنة 2009، أعتقد أنني ظهرت وبشكل جلي في الضيعات التي أصبتها السنوات الماضية، اللهم التي تم فيها إزالة عوائلي وحرقنا جميعا. كما أعتقد أنني وبكل صراحة، تجاوزت الجميع وأني الآن فوق السيطرة والمزارعون متروكون لذواتهم، لا يعرفون مالعمل؟ والى أين يلجؤون؟ ولمن يشكون؟. يقولون جميعا مسؤولون ومتتبعون أن الأمر سيكون خطيرا إذا واصلت زحفي الى مناطق أخرى تشكل الأشجارة المثمرة مصدر عيشهم، هذا ما يخوفهم مما لاشك فيه، ولكن أرى أنني في ذلك كله أسمع عجعجة ولا أرى طحينا، بحيث أنا مستمرة في إنزال الأضرار تلو الأخرى على كل المناطق التي هوجمت من قبل والجديدة ولا أجد أمامي من يوقف زحفي بالرغم أن هناك وسائل لكبحي أو على الأقل للحد من انتشاري والتقليل من الخسائر التي أسببها بلا هوادة للمزارعين الأثرياء منهم والضعفاء سواء بسواء.
وفي سنة 2010، واصلت تجوالي عبر التراب المغربي الذي لم يصب من قبل وأصبت المناطق التي كان المسئولون يعملون حسب أقوالهم من أجل أن لاأصل لها .. هيهات.. هيهات، أنى لهم ذلك، فمواقع في منطقة ميدلت وأخرى في إقليم بولمان أصبحت تشكو من هجومي وهجماتي المتواصلة عليها و من الزيارة المشؤومة والمتواصلة لهذا الضيف الجديد لهم، والذي لم يروه ولم يقفوا من قبل عن جسامة الاتلاف الذي سببه -عفوا الذي أسببه-. وللأسف، مر دون رصد اعلامي وبكل اشكاله دخول هدا الوافد الجديد – أنا طبعا- إلى هذه المواقع الحساسة، التي كانت آليات المراقبة تعمل جاهدة من أجل ايقاف زحفي إليها وقلت في نفسي خائفة، إن إجراءات صارمة جدا جدا ستتخذ ضدى السنة الجارية
2011… وفي حقيقة الأمر، لم يحدث أي شيء، والعجعجة التي كانت تسمع في السنوات السابقة والتي كانت تنتج طحينا ولو قليلا، حتى هي لم تستمر وبردت، إن لم أقل توقفت…
فقد حيرت زواري من البحث الزراعي وخصوصا هذه السنة في زياراتهم المتكررة لهذه المناطق – وكذا مما لا شك فيه من الأونصا- كيف اغزوها كما أشاء ومثلما يحلو لي دون قيد يذكر…أصيبوا بالذهل كما يتراءى لي ذلك في وجوههم ودردرشاتهم فيما بينهم، حين وجدوا أنني أصبت شجيرات هنا وهناك من السفرجل والأجاص وبشكل لا يرجى أمل في تطبيبها، وأنها ويا مصيبتاه … محاطة في كل الجوانب بضيعات من التفاح الجميلة والتي أنا في طريقي إليها بلا شك لأهاجمها بكل أنواع الأسلحة وربما الأحدث منها لكي أصيبها بالضربة المفصلية.. وسيتطلب ذلك مني تكلفة أكبر لو لم أجد هذه العوامل الجد الحساسة من سفرجل وإجاص تجانب هذه الضيعات الرائعة من التفاح، هذه الشجرة التي يصنفها الباحثون والخبراء من الصنف الذي يقاومني وواقع الحال يؤكد ذلك : اسئلوا منطقة ميدلت الآن… موقع آيت عياش نموذجا أو غيره، منظر مشين ومترهل..كيف تركوني في شجيرات من السفرجل والأجاص في مواقع محددة جنبا إلى جنب مع ذلك التفاح الجميل..الجميل.
مادنب تلك الشجيرات التي طفقت وباحتشام – مضطرة أختك لا بطلة- أظهر عليها..
اتجهوا صوب بولمان، واسألوا عني “آيت بازا”، اسألوا عني دوار آيت حركات، اسألوا عني دوار آيت واحي، اسألوا عني دوار آيت ولاع في كل من جماعة ايموزار مرموشة وتالزمت، و..و..، اسألوهم عني واسمعوا لشكواهم… واستغربت أن بعضهم رغم كل ما قيل عني وعن خطواتي وأضراري مند 2007 إلى اليوم لم يعرفوني بعد ؟؟ ولم يعرفوا كيف يجب التعامل معي حتى أفقهم قي شخصيتي، لا يعرف أنه لا جدوى من فقهه الذي به يريد مواجهتي (إزالة الأجزاء المريضة فقط وبعينها…).
والغريب في الأمر…ودون سرد المواقع بالتدقيق غربها أو شمالها عن طريق نظام تحديد الموقع العالمي ” GPS ” أُشاهَدُ عن قرب وبجانب الطرقات العمومية الوطنية والثانوية سواء بسواء …وما أثار بعد الزوار وأنا أسمع حسيسهم وأنا أتفهمهم، كيف يتساءلون ويستغربون عن ترك شجيرات معدودة من السفرجل مغروسة في أقل من هكتار وهي مصابة بأكملها وبشدة، دون إزالتها وحرقها على التو، للحفاظ على سلامة التفاح من جانب و تماشيا مع مقتضيات القرارات العاملية في هذا الشأن من جانب آخر، وخصوصا وهذه الأمكنة للعيان المار بادية.
مثالين لا أكثر، اسردهما لكم لإظهار فوضوية الأحوال عند أهل الحال، وغير بعيد من مكناس، العاصمة الإسماعيلية، وعلى بعد كلمترات أربع من قرية الحاج قدور، أو 13 كلم من مكناس في اتجاه هذه القرية (33_49_747 شمالا و005_26_205 غربا)، هناك تجد سفرجلا مصابا بي وبشدة، متروكا في مكانه أياما كثيرة والى يومنا هذا (21/06/2011).
أما المثال الثاني، فياتيك وانت في طريقك الى أزرو، وقبل الوصول اليها ببعض الكلمترات (33_49_747 شمالا و005_26_205 غربا) وأمام مقر جماعة بن صميم، أنظر يمينك، فستراني معشعشة حتى النخاع في السرفجل المزروع وجنب طريق وطنية يمر منها المعنيون من سلطة وساسة وجمعويون وخبراء و..و..، في حين أن القرارات في مثل هذه الحالات صارمة. أليس كذلك؟؟
وفي الحقيقة، لا أعرف لم أبوح بهذه المعلومات المهمة لوجودي واستمرار حياتي بينكم. لأن بهذا الصنيع، ساعدوني ولهم مني كل الجزاء وبلا مشقة وكدٍ يٌذْكران، ألملم شتات أفكاري وأوظف الحيل أو قل خبراتي إن شئت، وأرتب صفوفي داخل الأصناف المصابة بشدة (سفرجل + أجاص) من أجل بلورة ولم لا كما تفعل زميلاتي في المجموعة البكتيرية الأخرى شكلا آخر، أستطيع به كسر وبشكل جلي هذه المقاومة في السنوات المقبلة، اذا لم يُنتَبه لذلك.. أما إذا حسموا أمرهم في وتركوني بدون طعام ولا شراب وحركوا ضدي المساطر، فذاك أمر آخر، لا أريد تصوره. علما – سر بيني وبينكم- أن تطبيق الصارم لما سطره المعنيون في الأوراق لمحاربتي، سيكون له صدى معبرا في تقليص أضراري و انتشاري الرهيب… ولا افشي لكم سرا، اذا قلت أنني سئمت في البداية من القرارت العاملية التي تجعل من المناطق المصابة مناطقا محجورة، ولكن ما ان تبين لي بعد ذلك بطئ وصعوبة التنفيذ لها في فضاء كثرت فيه المتناقضات بين الأطراف المعنية بالقطاع من الفلاح الصغير الغير الواعي الى الوزير مرورا بالخبراء والتقنيين ومختلف المسؤولين، ارتحت. ولقد كنت سيغمى علي يوم سمعت أن هناك لجنة وطنية أسست أساسا لوضع استراتيجية لمحاربتي ومحاربة أخي “فيروس الحوامض” “Tristeza“، وكنت لا أنام الليالي بسبب ذلك، ولكن سرعان ما انجلت عني تلك المخاوف و الهواجس، بعدما تذكرت المقولة المتداولة في هذا البلد (عندما يراد لقضية أن تقبر، تحدث لها لجنة) وتأكد لي فيما بعد في الواقع صدقيتها.. وحتى أكون منصفة، فقد سُهر في تطبيق بعض بنود القرارات العاملية في بداية ظهور المرض وحتى الآن في بعض الضيعات وآتت أكلها رغم عملية الكر والفر التي جرت وتجري بيني وبين المزارعين وخبراء في الأونصا والبحث الزراعي. علما وللتذكير، فأن الدولة في شخص وزارة الفلاحة الممثلة أساسا في المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (مديرية وقاية النباتات والمراقبة التقنية وزجر الغش سابقا) قامت بجهد لافت وذلك بالسهر على عملية إزالة وحرق أكثر من 1000 هكتار من العائلين الأساسين الحساسين لي (الأجاص + سفرجل) في إقليم أفران دونه، وأنها بذلك أعني الدولة سجلت تجاهي نقاطا مهمة ستشفع لها.. هل تكفي نهائيا ومن أجل إبعادي من هذا الإقليم المشمول بهذه العناية؟؟ لن أفشي سرا أيضا وفي هذا الاتجاه (وما اكثر أسراري اليوم)، إذا قلت أن معركتي في المغرب مستمرة بلا هوادة، وأنني سأباغت المعنيين بموضوعي جميعهم، فلاحين، وتقنيين، وباحثين، ومسئولين صغارا وكبارا في القطاع.. ذلك أمر أكيد لا لبس فيه.. ومن يعتقد عكس ذلك فهو واهم ولا يعرف من هي اروينيا أميلوفورا، هذه البكتريا التي تكلمكم، ولا تحتاج لتذكيركم بفاجعة حبوب الصويا المستنبتة الملوثة بأخت لي في المجموعة البكتييرية تدعى اشيرشيا كولي (إكولي اختصارا)، ولا شك أنكم سمعتم عنها في الأسابيع الأخيرة، ماذا ارتكبت من خسائر فادحة في القطاع الفلاحي الأوروبي وفي الأرواح.. نحن هكذا.. لا يعرف أحد متى وأين ننشأ حدثا… وندمر قرية أو قرى. فكونوا في الموعد…
لنكن صرحاء.. لست حديثة العهد في ميدان الإضرار بالأشجار المثمرة ذات البزرة، فلدي مايناهز قليلا 230 سنة، إذ بدأت في إظهار نفسي منذ سنة 1780، وفي امريكا لاول مرة. وبالرغم من ذلك، فالإجاص و عوائلي الأخرى مازالت تزرع بامريكا والى اليوم.. وكأنني غير موجودة. أما في بلدكم، اتلفت محاصيلكم في ظرف قياسي جدا، اربعة سنوات فقط …أين يكمن المشكل؟؟؟
هل طلب من االمزارعين مثلا وبقوة وذكروا وبقوة أيضا في محطات كثيرة أن تطبيق الإجراءات الوقائية بصرامة كفيلة ولوحدها لإبعادي، ويسهرون بالتالي على تنفيدها مهما كلفهم ذلك؟ لا أعتقد ولسبب وحيد، أنا هنا في كامل قواي العقلية والجسدية ومازلت أصول وأجول متى وكيف يحلوا لي وخصوصا مع فصل الربيع، ولو أن هذه السنوات المطيرة جدا، بدأت هجماتي مبكرا على غير العادة.
أعتقد– ويخيفني أن يدرك المعنيون ذلك- بأن التقليل من لقاحي الأولي باجتناب الجروح في فصل الشتاء من جهة و باستعمال المركبات النحاسية أو كل مركب آخر فعال أثناء تفتح الأزهار، يمكن أن يقلل من فرص إصابتي للأشجار وخصوصا تلك التي ضيفتني كرها السنوات الماضية والتي قضيت معها وفيها فترة كمون بدون ازعاج. فهناك مزارعون دأبوا على استعمال المبيدات النحاسية كل 10 أيام قبيل تفتح البراعم في اقليم الحاجب مثلا مدعمة طبعا بالمواد المحفزة للمقاومة الطبيعية عند الشجرة وتقوية المناعة لديها. فاذا تم تعميم هذه العملية البستانية الوقائية، فستكون ولا شك سببا في وقف مكابرتي و تقليل أضراري.
كما هو عند اليقظين و العارفين بأمري، أن البوابة المفضلة لدي للولوج الى الشجرة هي الأزهار، لذلك، فأن رش بعض المبيدات الحيوية -المسموح بها في أمريكا وكندا وايطاليا مثلا- على الشجرة في بداية الإزهار سيجنبها الإصابة بي، طالما أن البكتيريا المنافسة لي التي تتضمنها جل هذه المبيدات تحتل مواقعي على الزهرة، فالأولوية والأحقية للأسبق، أي للساكن الأول.
ولقد سمح لبعضها في إطار التجريب بالمغرب، وفعلا جربت ضدى في سنة 2009 في إقليم أفران وبالضبط بمنطقة أزرو ولم تفض إلى نتيجة تذكر، لا لأن المبيد البيولوجي غير فعال ولكن الظروف لاستعماله ضدي لم تكن متوفرة. فقد كانت السماء ممطرة طيلة أربعة أشهر… وعناصر بقائي في الشجرة أو الرجوع إليها كانت حاضرة وبقوة.. فخلايا النمل التي تنتقل من ضيعة إلى أخرى، و من ضيعة مريضة وغير معالجة لأخرى في طور العلاج، كانت أحد أسباب الرئيسية للفشل الذي مني به المبيد البيولوجي المستعمل، ونفس الشيء يجري على محفز للمقاومة الذي استعمل جنبا الى جنب مع المبيد الحيوي.. فكيف لهما ذلك؟؟ وأني مارست ضغطا كبيرا على الضيعة أو الضيعات التي تم فيها تجربة أولية لهذا المبيد و لهذا المحفز… في حين، ستلاقي مثل هذه العملية نجاحا مقبولا في إقليم الحاجب مثلا.
ولقد سمعت بالمناسبة، أن لدى المركز الجهوي للبحث الزراعي بمكناس عزلات من الخمائر مهمة جدا تحارب بها أمراض مابعد القطاف عند التفاح ولديها فعالية معتبرة علي، فمفعولها حسب ما يقال – والله اعلم- يضاهي مثيله من المبيدات الحيوية بالخارج، أنه منتوج محلي صرف ينتظر من يستثمره خارج المختبر، منفعة للمزارع وللوطن.
ولقد سمعت أيضا – أذناي طويلتان- أنه حينما اثبت في الضيعة، ينصح بإزالة كل الأعضاء المصابة الى حدود 50 سنتيما من المنطقة المريضة، ومعالجة الجروح بالمواد النحاسية أو شبيهها. وأن هذا الإجراء سيحد من ظهوري مرة أخرى ومن انتشاري… أعتقد جازما أن آثار هذه العملية البستانية علي محدود جدا، والمزارعون يعرفون جيدا ذلك، لقد فتر حماسهم حولها حين ظهرت لهم مباشرة في المنطقة التي توقفوا عندها في البتر. لا أخفي عنكم سرا إذا قلت لكم عاليا ، أيها السادة، اسمعوا وعوا.. فأنا أتواجد في أكثر من هذه المسافة.. ربما لا أصل الى حدود 120 سنتيما بالنسبة للأصناف الأقل حساسية لي، ولكن هب أننا سلمنا بذلك، هل المزارع ذاته سيسمح بهذه العملية ؟؟ بل ماذا سيبقى للمسكين الحائر من شجرته العزيزة.
كما أقر الآن وأمام الملأ، أنه لو تم إزالة الزهرة الثانوية والموالية في كل السنوات الماضية بشكل من الأشكال، لما كان هجومي عموديا وأفقيا كارثيا الى حد اليوم. لماذا لم تستعمل بعض المواد لتحديد فترة الإزهار زمانا؟ علما أن التقنية بذاتها معلومة لدى أغلب المزارعين. كما أقر جازمة أن الحظ لم يجانب كل الفاعلين في الميدان، مسؤولين وغير مسؤولين، لمحاربتي، فظروف الطقس الايجابية لظهوري واستماتتي بلا هوادة في الزحف والتدمير كانت من الأسباب الأساسية لكي يعاد السيناريو نفسه كل سنة. فانا كما هو الحال مند أن استضافني المغرب (عفوا أحد المغاربة) افضل تناوبا متتابعا بين طقس ممطر و جو مشمش، وهكذا دواليك.. بهما أحيا وأنمو باستمرار، وبهما انتقل عبر التجفي “TGV” (وماتحمله هذه الكلمة من معنى) من مكان الى مكان وبكل حيوية واندفاع.
فمعذرة وألف معذرة للجميع، فقد اثقلت عليكم كثيرا وعمرت كثيرا وأفسدت كثيرا محاصيل أمم كثيرة ومنها محاصيل المغرب حاليا، وأتعبت العلماء منذ القرن التاسع العشر. وانا نادمة وثائبة، لعل ثوبتي ستشفع لي عندكم جميعا…أو أن الأمر لا يعدوا أن يكون خدعة…فأمامي مستقبل حالك، احس ايها السادة أن العلم في طريقه لتوجيه ضربه قاضية لنظام التواصل عند مسببتي البكتيربا الذي هو محور وجودها واستمرار حياتها.
ولكن لا تنخدعوا في شأني، فأنا لدي الفعل كما السيل، ولديكم الكلام كما الهواء العابرهكذا…
د. الحسن أشباني
مدير البحث ومنسق الوحدة العلمية لوقاية النبات،
مختبر الأمراض البكتيرية المكافحة الحيوية
المعهد الوطني للبحث الزراعي بمكناس- المغرب