تأثير الامطار الاخيرة على التربة الدكتور رشيد مصدق يجيب…
بعد ست سنوات من الجفاف القاسي الذي أنهك المنظومة الفلاحية وأثر بشكل مباشر على مخزون المياه الجوفية وإنتاجية الأراضي، جاء شهر مارس محمّلاً بتساقطات مطرية مهمة أنعشت الحقول والسدود، وأعادت الأمل للفلاحين بموسم فلاحي واعد. هذه الأمطار المباركة أعادت الحياة للتربة، لكنها في الوقت ذاته تطرح إشكالية استدامة الموارد الطبيعية، وخصوصًا الماء والتربة، في ظل التغيرات المناخية التي أصبحت سِمةً للمنطقة.
ورغم الأثر الإيجابي لهذه التساقطات، إلا أن تحديات فقدان التربة الخصبة بسبب التعرية، وانجراف الرواسب نحو السدود، ما تزال قائمة، وهو ما يهدد فعالية هذه الأمطار على المدى البعيد. هنا تبرز الزراعة الحافظة كحل ضروري وفعّال لضمان استدامة هذه الموارد الحيوية.
الدكتور رشيد مصدق: الأمطار وحدها لا تكفي لاستدامة التربة…
لتسليط الضوء على تأثير هذه الأمطار الأخيرة على التربة، كان لمجلة “المحيط الفلاحي” لقاء مع الدكتور رشيد مصدق، الباحث البارز بالمعهد الوطني للبحث الزراعي والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة ( إيكاردا ) .
وفي حديثه لمجلة “المحيط الفلاحي”، أكد الدكتور مصدق أن هذه التساقطات ساهمت بشكل واضح في إنعاش التربة وتحسين تغذيتها، موضحًا:
“بعد سنوات من الجفاف، تأتي هذه الأمطار لتعزز خصوبة التربة وتنعش النشاط البيولوجي بداخلها. لكنها لا تخلو من بعض التحديات، خصوصًا في التربة الطينية التي تعاني من احتباس المياه، ما يعيق تسربها إلى العمق ويؤثر على تغذية النباتات.”
وأشار أيضًا إلى ظاهرة التعرية التي تتفاقم بفعل الأمطار القوية بعد فترات الجفاف، حيث تتسبب في فقدان كميات هائلة من التربة الخصبة وتراكم الترسبات داخل السدود، مما يؤدي إلى تقليص قدرتها التخزينية عامًا بعد عام.
الزراعة الحافظة: الحل الذي لا غنى عنه…
وحول سبل الحد من هذه الظاهرة، شدد الدكتور مصدق على أهمية تبني ممارسات الزراعة الحافظة، قائلاً:
“الحل يكمن في اعتماد تقنيات الزراعة الحافظة، التي تقوم على تقليل الحرث، وتغطية التربة ببقايا المحاصيل بنسبة لا تقل عن 20% إلى 30%، وتطبيق تناوب زراعي مدروس. هذه الممارسات البسيطة تقلل من انجراف التربة بنسبة تصل إلى 50% وتساعد على حفظ المياه داخل التربة.”
وبيّن أن المغرب يفقد ما بين 30 إلى 50 طنًا من التربة الخصبة للهكتار سنويًا، وهي أرقام مقلقة للغاية، داعيًا إلى تكثيف التكوين والتوعية لدى الفلاحين، لأن اعتمادهم على هذه التقنيات يضمن لهم مردودية أفضل ويقلل من الاعتماد على الأسمدة الكيميائية.
وللاشارة تُعد أمطار مارس فرصة ثمينة كذلك لدعم زراعة القطاني والزراعات الربيعية، غير أن استدامة هذا الزخم يتطلب إستعمال نتائج البحوث العلمية، كخيار ضروري لمواجهة تحديات التغيرات المناخية وتدهور الموارد الطبيعية، وضمان زراعة مستدامة وفعالة.
الجيل الأخضر… نحو مليون هكتار من الزراعة الحافظة
وفي إطار استراتيجية الجيل الأخضر، تعمل المملكة المغربية على توسيع نطاق الزراعة الحافظة لتشمل مليون هكتار، بهدف تعزيز خصوبة التربة، وضمان استدامة الموارد المائية، وتحقيق إنتاجية مستدامة.
وأكد الدكتور مصدق أن تحقيق هذا الهدف يتطلب ملاءمة المخططات مع خصوصيات كل منطقة، مع تعزيز برامج الإرشاد الفلاحي، لضمان أن تكون هذه الممارسات جزءًا من ثقافة الفلاح المغربي.
رسالة واضحة: لا تضيعوا قطرة ماء أو حبة تراب
وفي ختام حديثه، وجّه الدكتور مصدق رسالة واضحة للفلاحين وصنّاع القرار:
“الأمطار الأخيرة نعمة كبيرة بعد سنوات الجفاف، لكنها لن تحقق الاستدامة وحدها. المطلوب هو عدم تضييع أي قطرة ماء أو حبة تراب. الزراعة الحافظة ليست خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة وطنية لضمان مستقبل زراعي مستدام ومنتج.”
لنغيير طريقة تعاطينا مع التربة والماء…
إن ما شهدته بلادنا من أمطار خلال مارس هو فرصة ثمينة يجب ألا تُهدر. إنقاذ الموسم الفلاحي وتقليص العجز المائي رهين بتغيير جذري في طرق استغلال التربة والماء، ووضع حدّ للهدر الناتج عن التعرية وسوء تدبير الموارد. اليوم، ومع توجه المغرب نحو تعميم تقنيات الزراعة الحافظة، بات من الضروري إشراك الفلاحين في هذا التحول، وتعزيز وعيهم بأن الحفاظ على كل نقطة ماء وحبة تراب هو صمام الأمان لمستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة.
#المحيط الفلاحي : عادل العربي