أسرار «الحبة الحمراء» في جهة سوس
تحقيق :كيف أصبحت الطماطم المغربية، خصوصا المنتجة في جهة سوس ماسة درعة، «العدو الأول» للوبي الفلاحي الإسباني، الذي تحول غضبه «الموسمي» من منتوج «يقتحم» الحدود الأوربية إلى ورقة ضغط يبتز بها «أشقاءه» الأوربيين من أجل الحصول على أكبر قدر من المساعدات المالية؟ وليس هذا وحسب، فـ«الحبة الحمراء» السوسية لديها قصص أخرى «مؤلمة» مع جيش من السماسرة والوسطاء والحشرات الضارة التي تفتك بالمحاصيل، إضافة إلى ندرة المياه وتقلبات السوق. لكنها في المقابل، كانت بمثابة «ذهب أحمر» حمل أسرا فقيرة إلى عالم الأثرياء واستقطب العديد من المستثمرين الأجانب. تلك بعض من الأسرار التي تبوح بها «الحبة الحمراء» في التحقيق التالي.
عندما تنخفض درجة الحرارة في كل بقاع العالم إلى أقل من الصفر فإنها في اشتوكة آيت باها، قلب سوس، لا تكاد تنزل عن ثلاث درجات مائوية، الأمر الذي اعتبره بعض الخبراء بأسرار الطماطم العاملَ المناخيَّ الأساسي في تميز هذه الأرض بإنتاج الطماطم المغربية، هذه الزراعة التي تعيش اليوم بين موجات غضب اللوبيات الإسبانية وندرة المياه والحشرات الضارة، التي تفتك بالمحاصيل، وبين تقلبات السوق و«جيش» من السماسرة والوسطاء.. إنها «الحبـّة الحمراء»، التي لا تخلو منها موائد الأغنياء والفقراء على السواء.
اللوبي الأحمر
في كل مرة نسمع عن طبول الحرب تقرع في الجارة الإسبانية إلا وكان السبب يتعلق بواحد من أمرين: إما تجديد اتفاقية الصيد البحري أو الضغط من أجل تخفيض حصة المغرب من السوق الأوربية من المنتوجات الفلاحية، حيث يصدر ما بات يعرف باللوبي الفلاحي الإسباني بيانات يؤكد فيها وقف «إغراق» الأسواق الأوربية بالطماطم المغربية، مبررا حربه المعلنة هذه بانعدام شروط المنافسة وتهديد إسبانيا بفقدان حصتها من السوق الأوربية.. وهو «حقد» ربما تكون له صلة بـ«ندم تاريخي»، لأن الإسبانيين لا يزالون يذكرون أنهم كانوا سببَ دخول أولى بذور الطماطم إلى المغرب عن طريق المغاربة المهاجرين، بعدما انتقلت هذه النبتة من أمريكا الجنوبية إلى إسبانيا، بعد استعمارها هذه المناطق.
يضغط اللوبي الإسباني، دائما، من أجل الحد من المنافسة التي تشكلها الطماطم المغربية، معللا ذالك أحيانا بانعدام الشروط البيئية والصحية وكذا بالتفاوت الكبير بين أجور الفلاحين واليد العاملة بين المغرب وإسبانيا، مما ينعكس على تكلفة الإنتاج. وعندما لا تجدي البيانات نفعا، فإن لوبي الطماطم في إسبانيا يُسخّر ميليشياته من أجل اعتراض المنتوجات المغربية وإتلافها على الطرقات، في محاولة أخيرة لتنفيذ تهديداته بطرقه الخاصة، وهي لعبة أزلية تتكرر من حين إلى آخر إلى أن ألِـف المواطنون المغاربة منظر الشاحنات وقد اعترض مجموعة من الأشخاص طريقها وبدؤوا في إتلاف محتوياتها، بعد تأكدهم من أن مصْدرَها المغرب..
في كل مرة تشعر إسبانيا بهبوب رياح الأزمة تهرع إلى الاتحاد الأوربي، متوسلة إياه أن يساندها من أجل «التضييق» على المنتوجات الفلاحية المغربية، لكن الطماطم تبقى على رأس هذه المنتوجات التي تثير حساسية مفرطة بالنسبة إلى الأسبان، ففي الوقت الذي يعاني هؤلاء من تراجع الأسعار في السوق الأوربية، يحدث أن تـُسجَّل في المغرب محاولات كثيرة من أجل رفع المساحات المزروعة من الطماطم بوتيرة قدرتها بعض الإحصائيات بـ940 هكتارا سنويا، لكن المخاوف الإسبانية تغذيها رغبتها في احتكار الصادرات الفلاحية نحو الاتحاد الأوربي والحد من المنافسة المغربية.
الذبابة البيضاء
من المعضلات التي حيّرت الفلاحين زمنا طويلا وأدت إلى تكبيدهم خسائر فادحة داخل الضيعات الفلاحية المتخصصة في إنتاج الطماطم حشرة «توتا أبسوليتا» أو الذبابة البيضاء، هذه الحشرة التي تعد أخطر أعداء الطماطم، حيث إنها تهجم على أزيد من 277 من أنواع الفواكه والخضر، على رأسها الطماطم والخيار والفلفل والباذنجان والخص والبطيخ الأصفر وغيرها من المنتوجات الفلاحية، وبسبب القلق الكبير الذي تسببه هذه الحشرة، عقدت مؤتمرات دولية في مدينة أكادير، كانت آخرَها الندوة الدولية التي انعقدت بتاريخ 16 نونبر 2011 على امتداد ثلاثة أيام، وتناول فيها جمع غفير من الخبراء السبل الكفيلة بالحد من الآثار السلبية لهذه الحشرة على المنتوجات الفلاحية في سوس وبالأخص الطماطم، التي تـَكبَّـد الفلاحون بسببها خسائر قدرت بالملايير. وقد شاركت في هذه الندوة المنظمة الأوربية والمتوسطية لوقاية النباتات (EPPO) والمنظمة الدولية للمكافحة البيولوجية المتكاملة للحيوانات والنباتات الضارة (IOBC) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) ومنظمة حماية النباتات في الشرق الأدنى (NEPPO). كما شاركت في هذه المناظرة لجنة العمل لدراسة مقاومة المبيدات (IRAC) والرابطة الدولية لمُصنـّعي المكافحات الحيوية (IBMA).
وقد ظهرت، في ما بعد، حلول جديدة لتجاوز تأثير هذه الحشرة على المنتوجات، حيث تم تطوير مجموعة من أصناف الحشرات التي تقوم بمقاومة بقية الحشرات الضارة، وهي الحلول التي تم تطبيقها في مجموعة من الضيعات وأعطت نتائج إيجابية، خاصة بعد أن تمكنت، في بعض الضيعات، من القضاء بشكل نهائي عن «توتا أبسوليتا»، بل إن هذه الحشرات ساهمت في مضاعفة الإنتاج، فضلا على كون هذه التقنية جعلت المنتجين يتفادون استعمال المبيدات الحشرية، التي غالبا ما يكون لها انعكاس سلبي على المنتوجات.
الخوف من الأرقام
لوحظ، مؤخرا، أن الهيئات والمنظمات التي تمثل منتجي الطماطم والحوامض عموما تتكتم كثيرا عن أرقام الصادرات إلى أروبا، وهو تكتم تحوّلَ إلى نوع من «فوبيا الأرقام». ويجد هذا الخوف مبرره -حسب أحد المتتبعين- في الهجمات الشرسة التي يقودها اللوبي الإسباني كلما سمع بأرقام الصادرين، إذ إن «درجة الحرارة» ترتفع لدى الفلاحين الإسبان الذين يجدونها فرصة للضغط على المفوضية الأوربية من أجل العمل على «مراقبة» الصادرات المغربية بسبب انخفاض أسعار الطماطم المغربية وارتفاع حجم الصادرات، الذي تجاوز الحصص المتـّفـَق عليها، حيث ينزعج الإسبان من الإقبال الكبير على الطماطم المغربية داخل الاتحاد الأوربي. وقد بلغت الصادرات المغربية من الطماطم خلال سنة 2011 ما مجموعه 70479 طنا، حيث تجاوزت بكثير 300 31 طن، المحددة في إطار الاتفاقية المُبرَمة بين المغرب والاتحاد الأوربي. وتشكل الطماطم المُنتـَجة في جهة سوس ماسة درعة 95 % من الكميات التي يتم توجيهها للتصدير.
تجعل المنافسة الإسبانية المنتجين المغاربة في حالة تربص دائم وحرص على استيفاء جميع الشروط، الصحية والبيئية، خوفا من فضيحة يُفجّرها لوبي الطماطم في إسبانيا، فتحكم على منتوجاتهم بالإتلاف، كما وقع مع الخيار الإسباني في ألمانيا، في بداية السنة الماضية، عندما تسبب تسمم أحد المواطنين في إتلاف آلاف الأطنان من هذا المنتوج، حيث تكبدت الفلاحة الإسبانية جراء ذلك خسائر فادحة.
الذهب الأحمر
ما تزال ذاكرة مجموعة من الأسر في سوس تحتفظ بمجموعة من القصص التي تحكي عن نجاح أسر فقيرة وتحوّلِها، في ظرف سنوات معدودة، إلى منتجين كبار بفضل هذه «الحبة الحمراء»، حيث كانت، في بداية سبعينيات القرن الماضي، تشكل ثروة للأسر السوسية، خاصة مع تزامن ذلك مع بداية الإقبال الأوربي عليها وبداية انتشار استهلاكها من قِبَـل الأسر المغربية بشكل أوسع. في المقابل، كانت هناك حكايات كثيرة عن افلاس عائلات أخرى بسبب الانهيار السريع في منتوجات الطماطم، إما بسبب أمراض مفاجئة أو حالة طقس طارئ ناتج عن ارتفاع الحرارة، كما وقع في صيف سنة 2009، أو بسبب أمطار طوفانية تأتي على الأخضر واليابس..
تجعل هذه العوامل من الطماطمَ سلـّما للارتقاء السريع في اتجاه اكتساب الثروة أو في اتجاه الإفلاس بالسرعة ذاتها، الأمر الذي يجعل التعاطي مع هذا النوع من المنتوجات الفلاحية يكتسي خطورة بالغة، وهو ما تناولته العديد من الدراسات، التي نصّت على ضرورة اعتماد تقنيات حديثة في التعاطي مع هذا النوع من المزروعات.
ففي دجنبر من سنة 2009، احتضنت مدينة أكادير ندوة دولية حول الإستراتيجيات الجديدة في مجال زراعة الطماطم لكون المغرب يحتل الرتبة الثالثة على الصعيد العالمي في تصدير الطماطم، بعد المكسيك وتركيا، حيث انكبّ الفاعلون في القطاع على بحث الرهانات التجارية اللوجيستيكية للحفاظ على مكانة الطماطم المغربية في الأسواق الخارجية بالاستفادة من المستجدات العلمية الحديثة في مجال الإنتاج والسبل الكفيلة بتطوير زراعة الطماطم في المغرب، في إطار نظام إنتاجي أكثر مردودية، خاصة في الحقول البلاستيكية، وتم خلال الندوة عرض تجربة هولندا، التي تعتبر نموذجا رائدا في هذا المجال.
كما تم، في هذه الندوة، التعرف على آخر المستجدات التكنولوجية في مجال الإنتاج داخل الحقول البلاستيكية، خاصة في هولندا، والتطورات الأخيرة المرتبطة بأسواق الفواكه والخضر في أوربا.
تقلبات السوق
من الظواهر التي ترتبط بحبة الطماطم هذه تقلب أسعارها في السوق الداخلية، حيث سُجِّل في السابق أن ثمن الكيلوغرام الواحد منها تجاوز 10 دراهم لينخفض، في مناسبات أخرى، إلى درهم فقط للكيلوغرام.. وتتحكم عوامل كثيرة في هذا التقلب، فالأسباب تبدأ من تزامن الموسم مع خروج منتوجات بعض المناطق الأخرى في المغرب إلى السوق، خاصة في سهل الغرب، وهو ما ينوع المنتوجات ويؤدي بالتالي إلى انخفاض الأسعار. أما في الشهور الباردة، فإن طماطم سوس هي التي تكون حاضرة في الأسواق، وإذا حدث أن وتزامن ذلك مع مواسم التصدير إلى الخارج وعرفت الأسواق الأوربية انتعاشا، فإن ذلك ينعكس سلبا على السوق الداخلية، فضلا على مشكلة أساسية تتمثل في «الوسطاء»، الذين أصبحوا يؤرّقون بال المنتجين، الأمر الذي دفع وزارة الفلاحة، مؤخرا، إلى توقيع اتفاقية بين جمعيات مهنية تضم منتجين من أجل دعم التسويق الداخلي ومحاولة القضاء على الوسطاء، ما يُرتقـَب أن يكون له أثر إيجابي على المستهلك والمنتج على السواء، وهو ما تمت بلورته في إطار خطة عقدة -برنامج، خاصة في إطار المقاولات الصغيرة، التي أصبحت نسبة مساهمتها في الصادرات تمثل 70 %.
وللنقابة نصيب
من القضايا المثارة بشأن الحديث عن قطاع إنتاج الطماطم قضية اليد العاملة، والتي يعتبر من العوامل الحاسمة في الإنتاج، خاصة أن هذا النوع من الزراعات يعتمد أساسا على اليد العاملة في أغلب مراحله، خصوصا في مرحلة الإزهار ومرحلة الجني، وهذه الأخيرة لا يجب أن تتوقف وإلا تكبد صاحب الضيعة خسائر فادحة، خاصة عندما تكون الضيعة مرتبطة بمحطات للتلفيف، والتي تكون مرتبطة بأسواق وزبناء خارجيين، مما يعقد المشهد أكثر ويجعل المنتج تحت رحمة الوقت.. وقد يحدث أن تتم إثارة بعض المطالب النقابية ويصبح الجميع تحت الضغط، الأمر الذي يثير العديد من الإشكالات في علاقة النقابات بأرباب الضيعات، وهي العلاقة التي تنتهي، في أغلب الأحيان، إلى التوتر والصراع.
في ظل هذه الأجواء، لجأ بعض المنتجين إلى اليد العاملة الإفريقية تفاديا لكل المشاكل السالفة، إلا أن هذا الحل أثار، بدوره، مشاكل جانبية أخرى، خاصة أن استقدام الأفارقة من جنسيات مختلفة خلق واقعا اجتماعيا آخر يهدد المنطقة.
وكان للصراعات السياسية، بدورها، تأثير، حسب العديد من المهنيين، حيث تحولت النقابات إلى «وسيلة» لتمرير مجموعة من القناعات السياسية وفرضها على أرباب الضيعات ومحطات التلفيف.
الحد الأدنى للأجور
من الإشكالات الحقيقية التي ارتبطت أساسا باليد العاملة في القطاع الفلاحي عدم استقرارها وارتباط العمل بالمواسم الفلاحية، وهو ما كان موضوع العديد من الوقفات الاحتجاجية، كما تمت مدارسته في العديد من الندوات المتخصصة حول القطاع. يقول المهنيون إنهم يستقبلون يدا عاملة غير مكونة ولا تتوفر على أي مؤهل علمي وإنهم يتوَلـَّون بأنفسهم تكوينها ويخسرون بذلك العديد من الآلات وغيرها من الأمور المتعلقة بأدوات العمل، كما يشددون على صعوبة الوفاء بالحد الأدنى للأجور وكذا دفع أقساط التسجيل في الضمان الاجتماعي، بسبب عدم استقرار العامل الفلاحي وموسمية أيام العمل.
وقد تم تداول بعض المقترحات الخاصة بهذا الشأن، حيث تم اقتراح العمل بنظام البطاقة الإلكترونية الخاصة بالعامل الفلاحي، إذ يتم تسجيل أيام العمل بهذه البطاقة مهْما تغيَّر المشغل أو انتقل العامل من ضيعة إلى أخرى، ويتم اقتطاع أقساط الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بناء على عدد الأيام التي اشتغلها العامل الفلاحي.
في المقابل، يرى مهنيون آخرون أن تأهيل واقع شغيلة الفلاحة أضحى أمرا مُلحّـاً من أجل تفادي تحكم النقابات في هذا المجال وفرض أجندتها على المشغلين، في ظل فشل لجن البحث والمصالحة في طي العديد من الملفات الشائكة، والتي أدى بعضها إلى إفلاس مجموعة من الضيعات ومحطات التلفيف.
«بورصة» إنزكان
يعد سوق الجملة للخضر والفواكه في إنزكان شبه بورصة تتحدد أثمنتها في سوق الطماطم في أوربا وفي غيرها من مناطق المغرب الداخلية حيث يذكر أحد المصدرين أن زبناءه في أوربا يستفسرون عن أثمنة الخضر والطماطم بسوق الجملة بإنزكان من أجل معرفة حالة السوق حيث يحرص هؤلاء على تتبع حالة سوق الطماطم من خلال سوق إنزكان الذي أضحى يتحكم في سوق الخضر من خلال توجيه منتوجات فلاحية نحو السوق الداخلية وكذا بعض الأسواق الإفريقية، وأمام هذه الوضعية اقترح مجموعة من المنتجين والمصدرين حلولا جديدة من أجل تنظيم سوق الطماطم وحمايتها من تقلبات السوق والأحوال الجوية التي تضر بالمنتوجات من حين إلى آخر، خاصة تلك المتواجدة بالضيعات غير المغطاة.
الطماطم والاستثمار
استقطبت زراعة الطماطم مجموعة من الاستثمارات الأجنبية، سواء منها الفرنسية التي تعد الكبر في إقليم اشتوكة آيت باها، أو الإسبانية منها والإيطالية، حيث تعتبر الطماطم عصب أي استثمار فلاحي أجنبي في الجهة، إضافة إلى الاستثمار في منتوجات فلاحية موازية، لكن الطماطم تتصدر لائحة المنتوجات الفلاحية التي تحظى بأكبر قدْر من اعتمادات الاستثمار بفضل السوق الخارجية، التي يزداد طلبها باضطراد على الطماطم المغربية، التي استطاعت جلب اهتمام المستهلك الأوربي على وجه الخصوص.
ورغم المخاطر المرتبطة بهذا النوع من الزراعات فإنها ما تزال تستقطب الرأسمال، الأجنبي والمغربي على السواء، ويتم تحدي جميع العوامل السلبية المؤثرة في زراعة الطماطم، من أمراض وشح في المياه ويد عاملة غير مكونة.
آفة المبيدات
بسبب الأمراض والطفيليات التي أضحت تهدّد زراعة الطماطم، بدا أن هناك إفراطا في استعمال المبيدات، وهو الأمر الذي أضحى يثير قلق الفلاحين قبل المستهلكين، لذا بدأت بعض الأصوات تتعالى من أجل تطوير حلول طبيعية لمواجهة هذه الأمراض والعمل على الحد من استعمال المبيدات الكيماوية، حيث بدأت تظهر بعض التجارب معتمدة على الزراعات الطبيعية والأسمدة العضوية، تفاديا لأي تأثيرات جانبية لهذه المبيدات، خاصة أن الطلب على المنتوجات الطبيعية بدأ يتنامى في مختلف أنحاء العالم.. فرغم الفارق في التكلفة بين المنتوجات الطبيعية وتلك المُعالـَجة بطرق حديثة، فإن الإقبال يتزايد بشكل مطـّرد على المنتوجات الطبيعية، كردة فعل على تفاقم مجموعة من الأمراض، التي قيل إن مصدرها الزراعاتُ المعالـَجة بالمبيدات الكيماوية.
أسرار البذور
تحيط ببذور الطماطم «أسرار» كثيرة، فقبل حوالي عشر سنوات، قامت ضجة إعلامية حول بذور الطماطم القادمة من إسرائيل.. لكن هذه الحملة انتهت وانتهى معها الحديث عن مصدر هذه البذور، التي تحتكرها على المستوى العالمي شركات سويسرية وفرنسية وأخرى من هولندا وايطاليا.. وربما تكون تلك الضجة الإعلامية قد تراجعت لأنه لا يمكن إنتاج هذه البذور إلا بتوفر شروط علمية وتقنية جد عالية وتكلف استثمارات ضخمة، خاصة أن الكيلوغرام الواحد من هذه البذور يكلف اليوم مبلغا يتراوح ما بين 80 ألف درهم و150 ألف درهم، وهي مبالغ طائلة. في المقابل، تتولى مستنبتات مرخص لها وتتوفر على شروط تقنية إنتاج شتائل الطماطم وتقديمها للفلاح، الذي يقوم برعايتها داخل بيوت مغطاة. كما أن هناك حقيقة أقر بها الفلاحون وهي أنه يصعب إنتاج هذه النوعية من البذور على المستوى الوطني، فضلا على التعقيدات العلمية المصاحبة لها، خاصة التوفر على خصائص مقاومة الأمراض والتأقلم مع الظروف الطبيعية وغيرها من الخصائص التي يجب توفرها في هذا النوع من البذور، الذي يتميز بإنتاجية عالية تصل إلى 260 طنا أو أكثر في الهكتار الواحد.
معاناة على الحدود..
ترتفع، من حين إلى آخر، أصوات المصدرين المغاربة جراء المعاناة التي يتكبدونها في المعابر الكبرى نحو أوربا بسبب التعقيدات الإدارية المرتبطة بمرور شاحنات نقل الطماطم وغيرها من الخضر والفواكه الطرية، حيث يتسبب بطء إجراءات الجمارك في تأخر الشاحنات عن مواعدها، وفي بعض الأحيان، تتعرض بعض المنتوجات الفلاحية للتلف، رغم وجود «كاشفين ضوئيين» (scanner) في ميناء طنجة المتوسطي، إذ يصل معدل تأخر الحافلات أحيانا إلى 24 ساعة.. كما أن التوقيت الإداري للميناء يعرقل وصول هذه الشاحنات في الوقت المناسب، خاصة أن مجموعة من الشاحنات التي تصل إلى الميناء في أوقات متأخرة من الليل تضطر إلى الانتظار ساعات طويلة إلى حين حلول وقت العمل الإداري، فالشاحنات ترتبط أساسا بمواسم الإنتاج وبوتيرته ولا يمكن أن تنضبط للأوقات الإدارية المعتادة والجامدة.
وانتقدت مجموعة من التقارير الخاصة بالمُصدّرين غياب الاحترافية في ميناء طنجة المتوسطي جراء العراقيل التي تواجه المنتجين وأصحاب شاحنات النقل جراء ذلك، حيث طالبوا، في مناسبات عدة، بالزيادة في الطاقة الاستيعابية لهذه الممرات الخاصة بالمنتوجات الفلاحية وبوضع ممرات مداومة من أجل استيعاب الشاحنات التي تصل خارج الأوقات الإدارية وبتكييف التوقيت حسب المواسم.
وبعد اجتياز الشاحنات الجمارك المغربية، تبدأ رحلة معاناة أخرى مع الجمارك الإسبانية، لكنْ هذه المرة تزداد درجة المعاناة، ولكنْ بخلفية أخرى، حيث يتعمد الجيران «إهانة» المنتوجات المغربية بالمبالغة في التفتيش وغير ذلك من الإجراءات الاستفزازية، الأمر الذي يؤثر سلبا على جودتها، بل ويعرّضها أحيانا للتلف.. وكل هذه الإجراءات يمكن الاستغناء عنها بتفعيل آليات التكنولوجيا الحديثة، وهو ما أصبح يثر حفيظة العديد من المنتجين المغاربة، الذين ندّدوا، في مناسبات مختلفة/ بهذه الممارسات التي تلحق بهم أضرارا جسيمة وتؤثر سلبا على تعهداتهم تجاه شركائهم الأوربيين، إضافة إلى بعض التعقيدات المرتبطة بالشحن، حيث يتم تطبيق غرامات في حق المخالفين، إضافة إلى شروط تتعلق بسائقي هذه الشاحنات التي تـُستعمَل في نقل المنتوجات الفلاحية.
وأمام تكرار هذه الممارسات، بدأ المُصدّرون المغاربة يفكرون في حلول لتفادي المرور عبر الجمارك الإسبانية والبحث عن مسارات أخرى للوصول إلى المستهلك الأوربي، دون المرور على الأراضي الإسبانية، التي أصبحت جماركها تشكل «كابوسا» بالنسبة إلى المُصدّرين ولأصحاب الشاحنات منهم على الخصوص، لكنّ كون 80 % من منتوج الطماطم الموجه أروبا يتم نقله عبر الشاحنات يظل أحدَ الإكراهات التي يتم التفكير فيها بشكل جدي من أجل إيجاد حلول ناجعة لذلك ولتفادي العراقيل التي تضعها الجارة الإسبانية وكذا «تخلف» الإجراءات الإدارية في الجمارك المغربية، والتي لا تتناسب وتطورات القطاع.
سر الطماطم المغربية
كشفت بعض المعطيات الإحصائية المتعلقة بإنتاج الطماطم في بعض الدول الأوربية أن إنتاج الحقول الزجاجية الخاصة بإنتاج الطماطم في هولندا يصل إلى 500 طن للهكتار الواحد.. في المقابل، لا يتجاوز إنتاج الهكتار الواحد في المغرب 260 طنا.. ومع ذلك يفضل الأوربيون الطماطم المغربية، وبالخصوص القادمة من قلب سوس، فرغم أن إسبانيا وفرنسا وهولندا تنتج الطماطم فإن الإقبال على الطماطم المغربية يظل متزايدا.. والسر في ذلك، حسب الخبراء بالميدان، هو المذاق المتميز للطماطم المغربية، والتي يجعلها المُفضَّلة لدى المستهلك الأوربي، إذ تستقبل القارة العجوز وحدَها ما يقارب 80 % من الطماطم المغربية، في حين تستقبل روسيا 20 % من الصادرات.. ويرجع ضعف هذه النسبة الموجهة للاتحاد السوفياتي (السابق) بالأساس إلى بعد المسافة بين البلدين، الأمر الذي حذا بالمهنيين إلى خلق خط بحري يربط بين أكادير وسان بيتسبيرغ، والذي من شأنه أن يرفع من نسبة الطماطم المغربية الموجهة نحو روسيا، التي بدأت فيها نسبة الإقبال على المنتوجات الفلاحية المغربية ترتفع من سنة إلى أخرى.
ومن بين الأسرار المحيطة بـ«الحبة الحمراء» انفرادها بمجموعة من الخصائص الطبية عن بقية الخضر، فبعض الدراسات العلمية تقول إن الطماطم تتوفر على الفوسفور والحديد، إضافة الى أملاح الكالسيوم والبوتاسيوم، كما أنها تعتبر مصدرا جيّدا لفيتاميني «ج» و«أ» وأن القشرة الخارجية للطماطم أكثر احتواء علي فيتامين «ج» من الثمرة نفسها، كما أنها تحتوي على مواد «الليكوبين»، التي يمتصها الجسم بشكل أفضل، وهي الحقيقة التي أكدتها دراسة أمريكية حديثة، و«الليكوبين» من المواد المضادة للتأكسد.
رقم معاملات
حقق قطاع الصادرات المغربية إلى الخارج، في سنة 2010-2011 رقم معاملات يقدّر بثلاثة مليارات درهم وطنيا، في حين حققت جهة سوس ماسة درعة 2.7 مليار درهم من هذا الرقم الوطني، أي نسبة 90 %، كما يحقق هذا القطاع 11 مليون يومَ عمل، بقيمة مضافة تبلغ 1.27 مليار درهم وتشغـّل 175 ألف عامل.
وتبلغ مساحة الأراضي المخصصة لإنتاج الطماطم على المستوى الوطني 5.100 هكتار، في حين تصل هذه المساحة على المستوى الوطني 6.200 هكتار، أي أن جهة سوس تمثل نسبة 82 % من المساحة المخصصة لإنتاج الطماطم على المستوى الوطني، بنسبة إنتاج تصل إلى 733.700 طن. في المقابل، يصل الإنتاج الوطني إلى 840.700 طن، أي بنسبة 87 %، وهي النسبة التي تعتبر مهمة بكل المقاييس.
تتولى السوق الأوربية استقبال نسبة 90 % من هذا الإنتاج، بما قدره 312.400 طن، في حين تستقبل روسيا 23.307 طن من الطماطم التي يتم إنتاجها في جهة سوس ماسة.
شح المياه يؤرق بال المزارعين
يستهلك الهكتار الواحد من الطماطم ما قيمته 15 درهما من الماء، في المقابل، لا يتجاوز استهلاك بقية المنتوجات الفلاحية 5 دراهم إلى 8 دراهم من هذه المادة الحيوية، وهو ما يظهر بجلاء ارتفاع نسبة المياه التي تحتاجها زراعة الطماطم. في المقابل، تنذر العديد من المؤشرات بالأخطار التي تهدد زراعة الطماطم في سوس، والمتمثلة أساسا في التراجع المضطرد في نسبة المياه، وهو ما يُشكـّل تهديدا دائما ويقف عقبة في وجه توسيع المساحات المزروعة من «الحبة الحمراء».. فرغم لجوء العديد من الفلاحين إلى تقنية السقي بالتنقيط واعتماد آخرين «تقنيات بديلة» من أجل اقتصاد أكبر للمياه، فإن هاجس شح المياه يؤرق بال المزارعين ويحد من طموحاتهم من أجل رفع الإنتاج. وقد دفعت هذه الوضعية البعض إلى التفكير في نقل هذه الزراعات إلى مناطق أخرى من المغرب، مثل عبدة -دكالة وتادلة وبني ملال وغيرها، هروبا من ندرة المياه وارتفاع تكلفة استعمالها وتراجع الفرشة المائية، إلا أن كل هذه المحاولات تصطدم بكون مناخ منطقة سوس يبقى المناخ «المثاليَّ» لزراعة الطماطم.. ويتوقع المهنيون أن تكفي حقينة السد المطل على اقليم اشتوكة أيت باها لتغطية احتياجات سنتين من حاجة الضيعات إلى مياه السقي، وفي حالة توالي سنوات مطيرة، فإن الوضعية لا تبعث على كبير قلق.
الابتزاز الإسباني
تبيّنَ، مع الوقت، أن «الغضب» الإسباني المتكرر من الطماطم المغربية يدخل في إطار الابتزاز الذي يمارسه الإسبان من أجل الحصول على أكبر قدْر من المساعدات المالية الأوربية، ففي كل مرة يشهرون «ورقة» الطماطم المغربية، وهي الحقيقة التي أصبح يدركها الجميع، فعندما تقول إسبانيا إن صادرات المغرب من الطماطم قد تجاوزت الكميات المُتـّفقَ عليها، فإن المتتبعين يعتبرون الأمر مجرد مزايدات، خاصة أن إسبانيا أول من يطـّلع على هذه الإحصائيات، بحكم أنها بوابة المغرب نحو الإتحاد الأوربي، وبذلك ينتفي أي مبرر للتشكيكات المتتالية للإسبان، الذين «يجتهدون» في كل مرة لخلط الأوراق..