أرفود.. خبراء يناقشون دور البحث العلمي في تعزيز استدامة الواحات أمام تحديات التغير المناخي
تألقت مدينة أرفود باحتضانها للنسخة الثالثة عشرة من المعرض الدولي للتمور في المغرب، والذي أقيم من 29 أكتوبر إلى 3 نونبر، وشكّل فرصة لاستعراض مدى أهمية الواحات المغربية وقدرتها على الصمود في مواجهة تحديات التغير المناخي، بفضل تضافر الجهود البحثية والتعاون الدولي. في هذا السياق، كان للدكتور رشيد مصدق، الباحث في المعهد الوطني للبحث الزراعي وإيكاردا، حضور بارز خلال اليوم الدراسي الذي عُقد في 31 أكتوبر تحت شعار “الواحات المغربية: من أجل أنظمة قادرة على مواجهة تغير المناخ”. وقد سعى هذا اليوم العلمي إلى تسليط الضوء على دور البحث العلمي في تعزيز استدامة هذه النظم البيئية الفريدة.
شهدت هذه الفعالية مشاركة نخبة من المؤسسات الدولية والوطنية الرائدة، بما في ذلك منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، ووزارة الفلاحة، والمعهد الوطني للبحث الزراعي، وجائزة خليفة لنخيل التمر، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان. وشارك الدكتور مصدق إلى جانب شخصيات علمية بارزة مثل السيد فيناي نانجيا، مستعرضين أحدث الابتكارات والتوجهات العلمية التي من شأنها تعزيز مرونة الواحات في مواجهة التغيرات المناخية.
استدامة متكاملة..
تناولت مداخلة الدكتور مصدق أهمية الدمج بين التقنيات الزراعية التقليدية والأساليب الحديثة، مؤكداً أن هذا التآزر بين المعارف التراثية والابتكارات العلمية يعزز الإنتاجية ويحقق الاستدامة في الزراعة الصحراوية.
وسلط الدكتور رشيد مصدق الباحث بالمعهد الوطني للبحث الزراعي وإيكاردا ،الضوء على أهمية خريطة خصوبة التربة، حيث أوضح أن هذا المشروع يساهم في تقييم حالة التربة من حيث محتوى الفوسفور والآزوت. وأكد الدكتور مصدق أن “أحد أهم الاكتشافات التي حصلنا عليها كان هو النقص في المواد العضوية بتربة الواحات، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لإعادة التوازن والحفاظ على التربة من التدهور.” وأضاف السيد مصدق أن “زيادة ملوحة التربة، خاصة بعد سنوات الجفاف المتوالية، تتطلب يقظة خاصة للحفاظ على جودة الأراضي.”
مبادرة الزراعة الصحراوية..
كما تحدث الدكتور مصدق في مداخلته عن مبادرة “الزراعة الصحراوية” التي يشارك فيها عدد من الدول تحت مظلة المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، مشيراً إلى أن المغرب يسعى لتبني هذا النموذج الزراعي المبتكر كحل للتحديات المتشابكة التي تواجه المناطق الصحراوية. وقال بهذا الخصوص : “تتميز المناطق الصحراوية بخصائص مختلفة تتطلب حلولاً خاصة، مثلما هو الحال في الواحات؛ ونسعى لجعل المغرب جزءاً من هذه المبادرة نظراً لنجاحها في دول الخليج.”
في ختام كلمته، أكد الدكتور مصدق أن إدارة الموارد بشكل رشيد يعتبر مفتاحاً لمستقبل أكثر استدامة للواحات، مشدداً على أهمية الشراكة بين الجهات الحكومية والعلمية لتطوير حلول تعزز التكيف المناخي وتدعم استمرار هذه النظم البيئية للأجيال القادمة
تقنية الري بالضغط المنخفض…
من جانبه، أشار الخبير الزراعي فيناي نانجيا من إيكاردا إلى تقنية الري بالضغط المنخفض التي تعد ابتكاراً فعالاً في تقليل استهلاك المياه والطاقة في الزراعة، خصوصاً في المناطق الصحراوية التي تعاني من شحّ الموارد المائية. واكد الخبير الزراعي ان هذه التقنية تعتمد على شبكات أنابيب منخفضة الضغط لتوزيع المياه بدقة حول جذور النباتات، مما يحقق مزايا عديدة، منها توفير المياه والطاقة، تحسين الإنتاجية، وحماية التربة.
وأثبتت التقنية حسب خبراء الايكاردا نجاحها في الولايات المتحدة ودول أخرى، وتم إدخالها إلى المغرب للاستخدام في الواحات. ومع بعض التحديات، مثل الحاجة إلى بنية تحتية ملائمة ومراقبة مستمرة، تبقى هذه التقنية فرصة واعدة لتعزيز الأمن الغذائي والاستدامة البيئية في الزراعة.
التعاون الدولي من أجل مستقبل واعد للواحات..
في مداخلته، أكد جان سناهون، ممثل منظمة الفاو في المغرب، أن الواحات ليست مجرد حصون طبيعية ضد التصحر، بل تجسد أيضاً إرثاً ثقافياً واجتماعياً، حيث تشكل نموذجاً للتضامن والتماسك الاجتماعي، مشدداً على أهمية رؤية متكاملة تجمع جميع الأطراف الفاعلة في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدد استدامة هذه النظم البيئية. كما استعرض مشاريع الفاو الداعمة للواحات، منها المشروع المغاربي لمكافحة مرض البيوض والبرنامج الوطني للنظم الزراعية التراثية العالمية، والذي يسهم في الحفاظ على تنوع النظم البيئية في المغرب.
استراتيجيات مبتكرة للنهوض بقطاع التمور..
قدم كمال لمحاسني، مدير تنمية الواحات بالوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، عرضاً لأهم الإنجازات العلمية المتعلقة بزراعة نخيل التمر في المغرب. وأوضح أن الوكالة تولي أهمية خاصة للبحث العلمي، عبر دعم برامج مبتكرة تهدف إلى تحسين استدامة الموارد الطبيعية، منها “تثمين مخلفات النخيل” و”الدراسة الجينية لأنواع النخيل في الواحات المغربية”.
فعاليات علمية تسلط الضوء على استدامة الواحات…
شمل اليوم العلمي عروضاً هامة تناولت استراتيجيات الاستدامة، من بينها “برنامج دعم الفاو للتنمية المستدامة للواحات” و”ميثاق الواحات المستدامة”، واستراتيجيات مبتكرة لحماية حقول النخيل وإعادة تأهيل الخطارات، وهي تقنيات تقليدية تستند إلى الابتكار للحفاظ على الموارد المائية.
الملتقى الدولي للتمور التزام بالتنمية المستدامة
أقيم حفل افتتاح هذه الدورة من المعرض تحت الرعاية الملكية السامية، بحضور شخصيات بارزة، من بينهم وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحمد البواري، ووالي جهة درعة-تافيلالت السعيد زنيبر، وعدد من المسؤولين المحليين. واستقطب الحدث حوالي 230 عارضاً من الفاعلين الرئيسيين في قطاع التمور، مما يؤكد التزام المغرب بالارتقاء بقطاع التمور، وتحقيق استدامة النظم البيئية للواحات.
نحو مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا للواحات المغربية
بفضل هذا التعاون بين المؤسسات البحثية والدولية والمحلية، يطمح المغرب إلى تطوير حلول مبتكرة تساهم في تعزيز قدرة الواحات على الصمود في وجه التغيرات المناخية، والحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي للواحات. يمثل هذا اليوم العلمي نموذجًا يُحتذى به في توظيف البحث العلمي لدعم زراعة النخيل في المناطق الصحراوية، مما يفتح آفاقًا واعدة لمستقبل أكثر استدامة وازدهارًا للواحات المغربية، ويحافظ على رمزية التمور كموروث طبيعي وثقافي للأجيال المقبلة.
#المحيط الفلاحي : عادل العربي