موقع ووردبريس عربي آخر

الاتفاق الفلاحي بين المغرب والاتحاد الاوروبي .. تحديات السياسة والاقتصاد

*ليلى الرطيمات

ساعد الوضع المتقدم في الإفراج عن الاتفاق الجديد الموقع بين المغرب والاتحاد الأوربي الذي تم إبرامه بتاريخ 16 فبراير 2012 من أجل تحرير المنتجات الفلاحية ومنتجات الصناعة الغذائية والمنتجات السمكية للطرفين؛ فضلا عن الرفع من حصة الصادرات الفلاحية المغربية إلى 22% مقارنة بالحصص المعمول بها قبل هذا الاتفاق.

ومن شأن انخراط المغرب في هذه المجالات الجديدة من الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أن يساهم في تقوية العلاقات الإستراتيجية بين الجانبين.

وعليه سأحاول من خلال هذه الدراسة تحليل مدى إمكانية استفادة المغرب من اتفاق التبادل الحر في المجال الفلاحي مع الاتحاد الأوروبي في ظل التحديات التي تواجه تفعيله.

أولا: تحديات ذات طبيعة اقتصادية

بقدر ما يتيح اتفاق التبادل الفلاحي آفاقا وفرصا واعدة لتطوير العلاقات الإستراتيجية الأوروبية_المغربية، فإنه يطرح عدة تحديات على النسيج الاقتصادي المغربي.

لقد عكس اتفاق التبادل الحر الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، والذي نجح الطرفان في إبرامه، والمندمج في إطار اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق عدم التكافؤ بين الطرفين.

لقد حاول المغرب أثناء المفاوضات التي سبقت تحرير المنتجات الفلاحية ومنتجات الصناعة الغذائية والمنتجات السمكية أن يعيد تأكيد التزامه بالتقدم نحو شراكة حقيقية مبنية على الانفتاح التدريجي والمنضبط للأسواق، ما يتسق مع موقف المغرب الاجتماعي والاقتصادي.

غير أنه لا يمكن أن تغيب عن المرء ملاحظة أن هذه المفاوضات قد عالجت بصفة أساسية مسائل مثل الوسائل التي ينبغي بها تحرير الأسواق الزراعية، مع إيلاء قليل من الاهتمام للتحديات والحدود التي يمكن أن يتسبب فيها الانفتاح المفاجئ لهذه الأسواق. وبالنسبة للمغرب فإن المسائل التي على المحك لها طبيعة اقتصادية، واجتماعية، وبيئية. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فتتعلق بمنافسة بعض المنتجات الفلاحية المغربية للمنتجات الأوروبية. مع العلم أن دول الاتحاد الأوروبي استفادت من الدعم لحماية المنتجين من خلال “السياسة الفلاحية الموحدة”، والتي تم تمديدها إلى غاية سنة 2013، وهو ما أدى إلى ارتفاع القدرات التنافسية للاتحاد الأوروبي. هذا في الوقت به المغرب بمواصلة تقليص الإعانات المقدمة لمواد الإنتاج الفلاحية المستهلكة، وتحرير الأثمان وخوصصة العديد من الشركات الفلاحية.

ورغم تسجيل الصادرات المغربية ارتفاعا في إطار اتفاق التبادل الحر، إلا أن الميزان التجاري المغربي يسجل عجزا مستمرا مع الاتحاد الأوروبي.

يمكن القول إن المغرب يعد الخاسر الأكبر في إطار اتفاق التبادل الحر الفلاحي؛ وذلك على مستوى التصدير والاستيراد؛ فعجزه التجاري إزاء الاتحاد الأوروبي ما فتئ يرتفع، إذ انتقل من حوالي 64 مليار درهم سنة 2009 إلى حوالي 79 مليار درهم سنة 2013؛ وهو ما يمثل 39% من العجز التجاري الإجمالي. وفي ما يخص المواد الغذائية (خارج منتجات الصيد البحري)، لم تعد قيمة الصادرات تغطي سوى نسبة 39% من قيمة الواردات.

ويرتبط هذا العجز الهيكلي الحاصل في الميزان التجاري مع الاتحاد الأوروبي، وخاصة على مستوى المبادلات الفلاحية، بعدة تحديات، منها ما يرتبط بصعوبات داخلية متعلقة بإشكالية مدى وجود فلاحة مغربية مؤهلة لمواجهة تحديات منطقة التبادل الحر الاورومغربية، ومنها ما يرتبط بتحديات خارجية خاصة بالتطورات الدولية والإقليمية، التي كانت من أبرز سماتها الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وتداعياتها على الاقتصاد العالمي ثم الوطني.

وبالتالي تحيلنا هذه التحديات التي تواجه نمو الفلاحة المغربية على طرح تساؤل عن مدى إمكانية استفادة المغرب من اتفاق التبادل الحر في المجال الفلاحي مع الاتحاد الأوروبي؟ خاصة وقد أبانت بنود الاتفاقية المبرمة بين الجانبين منذ فبراير 2012 مدى الإذعان الذي يفرضه الاتحاد ذاته على المنتجات الفلاحية المغربية.

ورغم منح اتفاق التبادل الحر في المجال الفلاحي بين الجانبين إمكانية الرفع من حجم الصادرات الفلاحية المغربية إلى نسبة 22 % مقارنة بالحصص المعمول بها قبله؛ إلا أنه مازالت الكثير من القيود، متمثلة في الحصص المحددة والجداول الزمنية التقييدية للصادرات بالنسبة للمنتجات الأكثر حساسية. هذا يعني أنه رغم التنازلات الجديدة للاتحاد الأوروبي مازال يحتفظ في الممارسة الفعلية بنظام القيود التجارية نفسه.

وفضلا عن ذلك، سيتم بموجب اتفاق التبادل الحر في المجال الفلاحي تطبيق نظام “ثمن الدخول” من طرف الشريك الأوروبي على بعض المنتجات الفلاحية المغربية ذات الحساسية بالنسبة لسوق الاتحاد الأوروبي، إذ ستبقى خاضعة للحد الأقصى للتعريفة الجمركية، ما يضعف إمكانية استفادة المستثمرين في القطاع الفلاحي بالمغرب من تصدير منتجاتهم لسوق الاتحاد ذاته.

وفي هذا السياق، وبعد دخول الاتفاق الفلاحي إلى حيز التنفيذ ابتداء من أكتوبر 2012، أقدم الاتحاد الأوروبي في 07 أبريل 2014 على تعديل نظام أسعار ولوج الفواكه والخضر المغربية إلى أسواق الاتحاد الأوربي، وهو ما يعد خرقا سافرا لمقتضيات الاتفاق الفلاحي، وبالتالي فتحت الأزمة الحالية فصلا جديدا من فصول الحرب التجارية بين الجانبين. ففي وقت طوى الطرفان صفحة الاتفاقية الفلاحية واتفاق الصيد البحري وانهمكا في البحث عن آفاق جديدة لتطوير علاقاتهما من خلال اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق، أبت لوبيات الفلاحة الإسبانية إلا إقناع المسؤولين في مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسيل باتخاذ قرار مفاجئ وصعب ستكون له تداعيات وخيمة على العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين، إذ اعتمدت الهيئات الأوروبية بشكل نهائي قرارا تفويضيا يقضي بمراجعةَ نظام أسعار ولوج الفواكه والخضر المغربية لأسواق الاتحاد الأوروبي. وينص هذا القرار التفويضي الذي اعتمدته اللجنة الفلاحة في البرلمان الأوروبي على تعديل نظام أسعار التعريفة الجمركية بالنسبة للمنتجات الفلاحية المغربية عند مدخل الأسواق الأوروبية.

هذا التحول الكبير في الموقف الأوروبي، وكذا الإخلال ببنود الاتفاقية الفلاحية التي نصت صراحة على ضرورة تسهيل ولوج الخضر والفواكه المغربية إلى الأسواق الأوروبية، مع الاستفادة من تخفيضات في الرسوم الجمركية، يطرح أكثر من تساؤل ويبين بالملموس تحكم بعض اللوبيات في قرارات الاتحاد، وبالتالي في مستقبل العلاقات الإستراتيجية بين الجانبين في ظل الوضع المتقدم الممنوح للمغرب. ويشكل هذا القرار الأحادي والمفاجئ من طرف الاتحاد الأوربي تحديا كبيرا بالنسبة إلى بعض الصادرات الفلاحية المغربية، خاصة الطماطم.

وحسب أعضاء من جمعية منتجي ومصدري الخضر والفواكه بالمغرب، من المنتظر أن يؤدي هذا القرار إلى فقدان ما بين 100 و150 ألف منصب شغل، نتيجة توقف 70 % تقريبا من صادرات المغرب من “الطماطم”، مع ضرر كبير سيلحق بصادرات “الخيار” و”القرع” و”الكليمانتين”. كما من شأن هذا الإجراء أن يؤدي إلى انخفاض حجم الصادرات المغربية، كما سيؤثر على جميع مكونات هذا القطاع، سواء على مستوى الضيعات الفلاحية التي ستضطر إلى التراجع أو محطات التبريد التي لن تقدم أي خدمات طوال فترة التصدير.

كما أن أضرار الإجراء الأحادي الذي اتخذه الاتحاد الأوربي يمكن أن تمتد لتعصف بباقي الاتفاقيات التي وقعها أو يتفاوض بشأنها الطرفان، وعلى رأسها اتفاقية الصيد البحري واتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق.

إن هذه النتائج الخطيرة دفعت رئاسة الحكومة إلى إصدار بلاغ عبرت فيه عن قلقها العميق من التأثيرات السلبية المحتملة للمقتضيات الجديدة على الصادرات الفلاحية المغربية، داعية سفير الاتحاد الأوربي بالمغرب، السيد روبير جوي، إلى العمل سريعا على إيجاد حلول ملموسة للحفاظ على المكتسبات التعاقدية للمغرب، وعلى التدفق التقليدي للصادرات المغربية من الفواكه والخضروات على السوق الأوروبية، وفقا لمقتضيات الاتفاقية الفلاحية.

لقد اعتبرت رئاسة الحكومة أن اعتماد هذه الآلية الجديدة، التي تقررت من جانب واحد من قبل الاتحاد الأوروبي، يتناقض فعليا مع التزامات الاتحاد الأوروبي داخل منظمة التجارة العالمية، لأنه يتجاهل تماما مقتضيات اتفاقية الشراكة بين الجانبين.

وفي المقابل، أكد وزير الفلاحة والصيد البحري، السيد عزيز أخنوش، أن “تعديل نظام أسعار دخول صادرات الفواكه والخضر المغربية للأسواق الأوروبية إجراء مفاجئ وغير مفهوم من لدن شريك تاريخي مثل الاتحاد الأوروبي”. وأضاف الوزير ذاته أن “المضي في اتجاه تعديل نظام أسعار دخول صادرات الفواكه والخضر المغربية إلى الأسواق الأوروبية يعد بمثابة تراجع عما وصلت إليه مفاوضات عبأت لفترة طويلة المسؤولين المغاربة والأوروبيين”. وحذر الوزير من أن هذا الإجراء المتخذ بشكل أحادي- مع العلم أنه يعني طرفين يربطهما اتفاق- يهدد قطاع الفواكه والخضر بالمغرب، لاسيما الطماطم التي يحكمها نظام للتصدير صارم للغاية، والذي قد ينهار ببساطة؛ وخلص إلى القول: “إننا لا نجرؤ حتى على تصور الانعكاسات على القطاع الفلاحي المغربي، وفاعلين استثمروا وراهنوا على آفاق حقيقية في ظل شراكة مهمة مع الاتحاد الأوروبي”.

وفي مقابل ذلك، هون الاتحاد الأوروبي من التداعيات التي يمكن أن تحدثها التعديلات التي تتعلق بالتنظيم المشترك للأسواق الفلاحية على طبيعة الشراكة الشاملة التي تجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي، وهي التعديلات التي ستصبح سارية المفعول ابتداء من فاتح أكتوبر 2014.

وفي هذا الصدد أكد سفير الاتحاد الأوروبي بالمغرب، السيد روبرت جوي، أن التنظيم المشترك للأسواق الفلاحية يهم بشكل موحد الفواكه والخضر المستوردة نحو الاتحاد الأوربي من جميع بلدان العالم، مضيفا أن “الأمر لا يتعلق بإجراء خاص بالمنتجات المغربية فقط”. وشدد السفير الأوروبي على أن تعديل نظام أسعار ولوج الفواكه والخضر المغربية إلى أسواق الاتحاد الأوربي “لن يكون له تأثير كبير” على الشراكة الشاملة التي تجمع بين الرباط وبروكسيل.

كما أفاد السفير الأوروبي بأن هذا التغيير، الذي يندرج في إطار إصلاح السياسة الفلاحية الأوربية، يروم توضيح نظام كان عرضة لانتقادات متواترة، ملاحظا أن كافة شركاء الاتحاد الأوربي، على غرار أي مواطن، كانت لهم إمكانية التعبير عن رأيهم خلال مسلسل بلورة الإصلاح المذكور.

ثانيا: تحديات ذات أبعاد سياسية

لقد تم تكريس القرارات الأحادية من طرف مؤسسات الاتحاد الأوروبي أثناء إصدار محكمة العدل الأوروبية قرارا بتاريخ 14 دجنبر 2015 يقضي بإلغاء الاتفاق الفلاحي، بسبب المواد القادمة من منطقة الصحراء. إن هذا القرار الأحادي الجانب يؤكد أن العلاقات الثنائية بين الجانبين مستهدفة من المناورات المؤسفة للوبيات المؤيدة للانفصاليين. كما أن قرار المحكمة الأوروبية يرهن مستقبل علاقات الاتحاد الأوروبي والمغرب بازدواجية الموقف حيال القضايا السيادية؛ إذ إن إصدار قرارات سياسية تحت غطاء قضائي أمر لا يستوعب محورية شراكة الوضع المتقدم مع المغرب، بل ويسيء إلى مصداقية القرارات التي أسس عليها الاتحاد الأوربي شراكاته القائمة على احترام السيادة الترابية للدولة الشريكة.

جدير بالذكر أن المغرب لم يعد في وضع يسمح بالتعاطي مع قضيته الوطنية بازدواجية في مواقف الاتحاد الأوربي، لاسيما أن هذا الأخير له تعهدات سياسية وقانونية تجارية واقتصادية في إطار الوضع المتقدم تضبط إجراءات الشراكة مع المغرب.

وجراء ذلك، ذكرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، في بلاغ، أن المغرب يعلق علاقاته مع الاتحاد الأوروبي إلى حين اتخاذه التدابير المناسبة من أجل إيجاد مخرج نهائي لهذا الإجراء، وهو ما جعل رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، فريديريكا موغريني، تؤكد أن الاتحاد الأوروبي يعتبر أن الاتفاقيات الثنائية مع المغرب لا تقبل التشكيك لضمان مصداقية اتفاقات الاتحاد.

إن هذا التحول الكبير في الموقف الأوروبي يطرح أكثر من تساؤل ويبين بالملموس تحكم بعض اللوبيات في قرارات الاتحاد، وبالتالي في مستقبل العلاقات الإستراتيجية بين الجانبين في ظل الوضع المتقدم الممنوح للمغرب.

وفي هذا السياق قام المجلس الأوروبي بدعم الموقف المغربي، إذ أكد بشكل واضح أن الأمر يتعلق بمسألة داخلية تهم السلطات المغربية بمفردها، وهي إشارة اعتراف بالجهود الكبيرة التي يبذلها المغرب من أجل تنمية الأقاليم الصحراوية، والتي لا تحتاج إلى إثبات، بالنظر إلى حجمها وأبعادها.

وبدأت بتاريخ 19 يوليوز 2016 أولى جلسات محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ، حول الطعن الذي تقدم به الاتحاد الأوروبي ضد قرار إلغاء الاتفاق الفلاحي الذي جمعه بالمغرب، والذي كان سببا في أزمة دبلوماسية بين المغرب وحلفائه الشماليين، امتدت إلى تعليق الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي.

وتثمينا لذلك، قضت محكمة العدل الأوروبية بتاريخ 21 دجنبر 2016 بسريان الاتفاقية الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وبإلغاء الطعن الذي تقدمت به جبهة البوليساريو واعتباره غير مقبول. وتعقيبا على قرار المحكمة، سجل المغرب والاتحاد الأوروبي في إعلان مشترك إلغاء محكمة العدل الأوروبية لقرار محكمة الدرجة الأولى الصادر بتاريخ 10 دجنبر 2015، الذي كان المغرب تقدم بطعن في شأنه، وكان موضوع استئناف تقدم به مجلس الاتحاد الأوروبي بإجماع الدول الأعضاء. كما أكد الإعلان أن الطرفين يدرسان كل التبعات المحتملة لحكم المحكمة، وسيعملان بتشاور بشأن كل مسألة تتصل بتنفيذه، وفق روح الشراكة المتميزة القائمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والآليات المنصوص عليها في هذا الشأن.

وخلص الإعلان إلى أن “الطرفين يؤكدان حيوية هذه الشراكة المتميزة ويعتزمان العمل بشكل فاعل على تطويرها في كافة المجالات ذات الاهتمام المشترك”.

وذكر بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون أنه بحكمها القاضي برفض الطعن الذي تقدمت به “البوليساريو”، والذي اعتبر “غير مقبول”، تكون محكمة العدل الأوربية قد انسجمت مع باقي مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تعتبر أن هذا الكيان غير “معني” بالاتفاقيات المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

كما أبرز بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون أنه تم كذلك الحكم على “البوليساري” بتحمل كافة المصاريف التي تطلبتها الدعوى القضائية1.

وبهذا القرار تصحح محكمة العدل الأوروبية الانحرافات القانونية، و تعدل التقديرات السياسية الخاطئة، وتلغي الخلاصات التي لا أساس لها الصادرة عن محكمة الدرجة الأولى. ومن جهة أخرى، يشدد البلاغ، على ملاحظة المغرب في أن خلاصات المحكمة لا تشكك في قانونية وشرعية إبرامه لاتفاقيات دولية تغطي منطقة الصحراء المغربية.

ويعتبر القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 21 دجنبر 2016 اعترافا بشرعية وجود المغرب في الصحراء، كما أنه هام جدا بالنسبة للمغرب، ليس فقط في علاقاته بالاتحاد الأوربي، ولكن بالنسبة لدور هذه المجموعة في المجتمع الدولي ككل، لأن جبهة البوليساريو كانت تهدف إلى الحصول على نوع من الاعتراف بالصفة القانونية من طرف مؤسسة مهمة جدا في الاتحاد الأوربي، وهي محكمة العدل الأوربية، لتكريس دورها في منتديات دولية أخرى.

نستنتج من خلال هذه القرارات المتخذة من طرف الجانب الأوروبي أن الممارسة الفعلية بين الجانبين تظهر تزايد الاختلالات التي يريد الاتحاد الأوربي تصحيحها؛ وبالتالي تزداد الهوة بين الطرفين ومن خلالها الهوة بين شمال وجنوب المتوسط، خاصة في ظل التحديات الداخلية والدولية الراهنة التي تواجه تجسيد أهداف الشراكة الإستراتيجية الاورومغربية.

وفي هذا السياق فإن المغرب مطالب بمواصلة مسار الإصلاحات التي شرع في تفعيلها منذ إبرامه لاتفاقية الشراكة الاورومغربية؛ وذلك بهدف الاستفادة من الفرص والإمكانيات التي تمنحها اتفاقيات الجيل الجديد للاتحاد الأوروبي مع الدول الشريكة والمتمثلة في منطقة التبادل الحر الشاملة والمعمقة.

إن منطقة التبادل الحر الشاملة والمعمقة التي يطرحها الاتحاد الأوروبي على المغرب كحافز في إطار الوضع المتقدم، بقدر ما تطرح من تحديات على المغرب، لكنها تبقى ضرورية من أجل النهوض باقتصاده، لكن في ظل شروط أكثر موضوعية تعتمد على منح المغرب امتيازات تفضيلية ومالية كافية للنهوض بالاقتصاد المغربي، مثل تلك الإعانات التي يمنحها الاتحاد الأوروبي لبلدان أوروبا الشرقية المنظمة إليه حديثا.

لقد فرضت المصالح المتداخلة على المغرب والاتحاد الأوربي إقامة شراكة إستراتيجية بينهما والعمل على تطويرها من خلال منح المغرب الوضع المتقدم، الذي شكل حدثا هاما وإستراتيجيا في العلاقات بين الجانبين، الذي ينطوي على مجموعة من الإيجابيات، كما يطرح عدة تحديات قد تحول دون الاستفادة التامة والشاملة للمغرب من سياسة الوضع المتقدم، خاصة على مستوى الإدماج التدريجي للاقتصاد المغربي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي.

إن نجاح الاقتصاد المغربي في الاستفادة من سياسة الوضع المتقدم يتوقف على حسن تدبيره لعلاقاته مع المنظومة الأوروبية في الكثير من المسائل الخلافية، مثل ملف حقوق الإنسان، والهجرة غير الشرعية، والتطرف ومحاربة المخدرات…، والتي ترتهن في الكثير من جوانبها للظرفيات السياسية الإقليمية والدولية أكثر من ارتهانها إلى علاقات الجوار والمواثيق الناظمة لها؛ وذلك تبعا لتأثيرات العولمة والخاصية عبر الوطنية، التي تحكم تلك الظواهر على الصعيد الدولي، ما يجعلنا نتساءل عن مآل الخيارات التي تتفاعل مع الاندماج التدريجي للاقتصاد المغربي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي.

إنه لمن سوء التقدير افتراض أن مضاعفة المساعدات المالية بالنسبة للمغرب ودخول منتجاته الفلاحية للسوق الداخلية للاتحاد الأوربي سيساعد على التلطيف من مخاوف المغرب. وهذا ما يؤكد ضرورة تدعيم وانخراط المغرب في الاندماجات الإقليمية جنوب-جنوب، كإحياء الاتحاد المغاربي.

إن انخراط المغرب في الاندماجات الإقليمية، من هذا القبيل، تعتبر الحل الأنجع لمجابهة التحديات التي يمكن أن يواجهها، سواء في إطار تفعيل أهداف اتفاق التبادل الحر الفلاحي بينه وبين الاتحاد الأوروبي، أو في إطار تجسيد أهداف الوضع المتقدم.

*باحثة في العلاقات الدولية

Lila.rimate@gmail.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.