موقع ووردبريس عربي آخر

صبري الحو يكتب : “المقاطعة” فِعل احتجاجي لا يقع تحت طائلة العقاب …….

يعتبر الاحتجاج بكل أنواعه رسالة تعبير عن حاجيات موجهة إلى صانع القرار لحثه وإرغامه على الاستجابة على محل الاحتجاج. وقد يكون الاحتجاج مصحوبا بتحديد طريقة وشكل الرد والجواب المطلوب من صانع القرار. ويستوي في ذلك أن يكون صانع القرار سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو غيره، فقد يكون مشغلا أو رب عمل أو مؤسسة عمومية أو إدارة ترابية أو قطاعا وزاريا أو رئيس حكومة أو رئيس دولة.

ويتخذ شكل الجواب عن موضوع وجوهر الاحتجاج من طرف صانع القرار أوجها ثلاثا: فقد يستحيل على طلبات الاحتجاج بأكملها وينتهي أمر وسبب الاحتجاج.

وقد يكون الاحتجاج وسيلة لإجراء الحوار بين المحتجين والموجه إليه أو ضده الاحتجاج من أجل التراضي على شكل تسوية معينة يتفقان عليها وينتهي الفعل أو يتم تعليقه. أما الشكل الثالث فيرتبط بتعنت صاحب القرار، الذي يكون متصلبا ومنتصرا لقراره، ولا يرغب في الاستجابة لطلبات المحتجين، ولا يجنح إلى الحوار معهم في انتظار عيائهم أو إحباطهم أو يأسهم.

وقد يهدد باتخاذ إجراءات انتقامية ضد المحتجين؛ مثل طرد عمال عن العمل، أو إحالة موظف على مجلس تأديبي، أو الاقتطاع من أجرة عملهم. ولهذا تولى القانون، سواء في مدونة الشغل أو نظام الوظيفة العمومية، حماية حقوق هذه الفئات.

وقد يتخذ التصميم لإسكات فعل الاحتجاج بعجالة التهديد بمحاكمة المحتجين، على النحو الذي تفوه به الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية.

فإلى أي حد يتطابق التهديد بالمحاكمة مع فعل الدعوة إلى المقاطعة وتنفيذه مع القانون؟ وما مدى تماهي التهديد في حد ذاته مع القانون الجنائي المغربي؟

بدءا تجدر الإشارة إلى أن القانون الدولي والقانون الدستوري المغربي يحميان حرية التظاهر والاحتجاج السلمي في جميع صيغه وأشكاله وأنواعه ومظاهره، بما في ذلك شكل المقاطعة (الديباجة والمادة 29 من الدستور).

ومن ثم فإن المقاطعة والدعوة إليها ليست تحريضا على ارتكاب جنايات وجنح يعاقب عليها بالمادة299 من القانون الجنائي، وليست تحريضا على جرائم العصيان المعاقب عليها بالمواد من 300 إلى308 ق ج، لأنها فعل حر واختياري شخصي وفردي، إذ يمتزج لدى الشخص نفسه، الذي ينفذها عن طواعية، الإيجاب والقبول، بمعزل عن تأثير تدخل الغير فيه عن طريق الدعوة إليها.

والمقاطعة نتيجة لذلك، وعلى النحو المفصل، وفي ظل عدم التحريض عليها عن طريق الإكراه بالوعد أو بالوعيد أو التهديد، لا تقع تحت طائلة العقاب، تبعا لمبدأ شرعية الجريمة والعقاب المعروفة في القانون الجنائي المغربي بـ”لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق في القانون”، والتي أصلها الفقه وكرسها القضاء الجنائيان.

وحتى التهديد بالمتابعة من أجل المقاطعة بسبب نشر أخبار كاذبة، هي أركان لجريمة غير قائمة، فغلاء الأسعار الفاحش، وعدم مراعاتها للقدرة الشرائية للمواطن المغربي، وعدم وضع إطار قانوني واضح وشفاف وصارم للمنافسة، وعدم تدخل الدولة لإتيان التزام الحراسة والضبط للسوق وللسلم الاجتماعي هي وقائع صحيحة وحقيقية وليست خبرا كاذبا.

وبالإضافة إلى صحة أسباب الدعوة واختيار المقاطعة الاختياريين، فإن قانون التهديد هو قانون لا يزال قيد صيغة “مشروع القانون” الذي تقدمت به الحكومة، والذي لم يجتز بعد مراحل المصادقة عليه من طرف مؤسستي التشريع (البرلمان ومجلس المستشارين)، ليبقى فعل المقاطعة خارج نطاق التجريم والعقاب.

إن السؤال المشروع الذي من حق الجميع طرحه، وعلى الحكومة الإجابة عنه، يكمن في أسباب تراخيها في إخراج مجلس المنافسة إلى حيز الفعل الاقتصادي، رغم تحديد الدستور لأجل انصرم قبل انقضاء مدة ولاية الحكومة الأولى لما بعد المصادقة على الدستور، وهي حكومة نفس الحزب الذي يترأسها حاليا.

فمجلس المنافسة هو هيئة يفترض فيها ضبط وضعية المنافسة في الأسواق ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.

فلصالح من تم التأخير؟ الأكيد أنه ضد المواطن المستهلك. كما تبين أن الدولة لم تستطع التدخل كدولة حارسة ودركية وفقا “لكيز”، لضبط وتحديد ووضع سقف معقول لفائض القيمة الذي لا يعني سوى سقف الربح المسموح به في مبدأ التوازن والإنصاف في العلاقات الاقتصادية (المادة 166 من الدستور) لأنه بعدم تدخلها جعلها في مرتبة من اعتمد على النظرية الكلاسيكية المتجاوزة، التي تجعل السوق قادرا على إحداث التوازن في إطار “اليد الخفية” لآدم سميث ودافيد ريكاردو وجون ستيوارت ميل.

وأزعم من موقعي العلمي، وبصفتي ناشطا حقوقيا وخبيرا في القانون الدولي، أن الدعوة إلى المقاطعة كشكل احتجاجي شعبي من خلال المتاح من الحرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاستجابة التلقائية لها تستدعي التعجيل بإرساء هيئة المنافسة لتحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، وضبط الأسعار، والانتصار للقدرة الشرائية لعموم المواطنين. وبدعم القدرة الشرائية سيرتفع حجم الاستهلاك، وستنتعش المقاولات الصغرى والمتوسطة في إطار الدفع الذي ستستفيد منه الدورة الاقتصادية.

ومن نافلة القول أن الاحتجاج الافتراضي يعني أننا انتقلنا من أفعال احتجاجية تقليدية نحو أفعال احتجاجية عصرية وجديدة تستحق الاهتمام ليس فقط لفك شفرة الخطاب الاحتجاجي، بل في ما يحمله من حاجيات يستجيب لها صانع القرار.

صبري الحو : محام بمكناس وخبير في القانون الدولي- الهجرة ونزاع الصحراء

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.