موقع ووردبريس عربي آخر

بويافري يكتب : حماية التربة دينامية لابد منها لصالح مستقبل البشرية

يمكن للتربة، بعطاءاتها الكبيرة، أن تساهم في إنقاذ مستقبل البشرية. ففضلا عن ضمان الأمن الغذائي، تختزن التربة إحدى المنظومات البيئية الأكثر تعقيدا في الطبيعة، وهي قادرة من خلال مكوناتها الحية على تنظيم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

وعلى الرغم من ذلك، تواجه موارد البشرية من التربة العديد من أشكال التدهور المرتبطة، أساسا، بالتوسع الحضري السريع، وتراجع الغابات، والرعي الجائر، والتغيرات المناخية، لدرجة تهديد التوازن الإيكولوجي للكوكب.

ووعيا منها بخطورة الوضع، أعلنت منظمة الأمم المتحدة في سنة 2013، خلال الدورة ال68 لجمعيتها العامة، يوم 5 دجنبر كيوم عالمي للتربة وتخلده هذه السنة تحت شعار “العناية بالكوكب تبدأ من التربة”.

وفي المغرب، تتعرض التربة لتباينات مناخية قوية. وتزيد من تدهورها الأنشطة المرتبطة بالإنسان، مما يؤدي إلى ظواهر مثيرة للقلق كالتعرية والغسل وارتفاع الملوحة.

ونظرا للحجم الخطير لهذا التدهور، أعدت المملكة إطارا قانونيا لتقنين استغلال هذا المورد الذي يتطلب استغلالا عقلانيا.

وهكذا، راكمت الترسانة القانونية لكتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة الظهير رقم 170-69-1 المتعلق بحماية وترميم التربة، والقانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير الذي يحمي الأراضي الفلاحية والغابات من الاستعمالات المفرطة، إضافة إلى القانون رقم 03-11 لحماية واستصلاح التربة الذي يتوخى حماية التربة، وما تحت التربة والثروات التي تختزنها.

ولا تتوقف الجهود هنا، إذ أن الحكومة تعكف على إعداد مشروع قانون بتعلق بالحماية البيئية للتربة، كما هو الحال بالنسبة للماء والهواء. ويمكن هذا المشروع من تعزيز الإطار القانوني للحماية، وبالتالي التلاؤم مع المتطلبات الناتجة عن الاتفاقيات الدولية في هذا المجال.

ويتعلق الأمر بتعبئة كونية ذات أهمية مطلقة، علما أن الحالة الصحية للتربة تنعكس بشكل جلي على الإنسان، إذ أنها المزود، المباشر وغير المباشر، بحوالي 95 في المئة من حاجياته الغذائية.

وفي هذا الصدد، يعتبر عالم الجينات والزراعة الهندي مونكومبو سواميناتان، الحائز على الجائزة العالمية للتغذية، أن “أنيميا التربة تؤدي إلى الأنيميا (فقر الدم) البشرية”، موضحا أن العوز في المغذيات الدقيقة للتربة يؤدي إلى سوء التغذية والعوز في المغديات الدقيقة للأشخاص، لأن المواد الفلاحية المزروعة في هذه التربة تتجه نحو الافتقار للعناصر المغذية اللازمة لمحاربة العوز الغذائي الخفي.

وتسعى الفلاحة، التي تمثل في الآن ذاته ضحية وسببا للتغيرات المناخية، رغم ذلك لفرض نفسها كإحدى الحلول أمام الاحترار المناخي عبر استعمال أفضل للتربات والأراضي الفلاحية.

ويتأتى ذلك بالخصوص عبر غرس المزيد من القطاني (البقوليات)، كما دعا لذلك اليوم العالمي للتربة في 2016، لأنها تمتلك الميزة المزدوجة للالتقاط آزوت الهواء الذي يعد مخصبا طبيعيا، وكذا طرحه في التربة من أجل الزراعة المقبلة.

وما وراء رهانات الأمن الغذائي، بإمكان التربة أن تكون منقذا أمام إحدى الإشكاليات الكبرى في العصر الراهن بفضل الكربون العضوي الذي تختزنه. وبالفعل، تشكل التربات السليمة أكبر خزان للكربون على وجه الأرض.

وترسي الإشارة للتربات للمرة الأولى ضمن أهداف التنمية المستدامة، بعد تخليد السنة الدولية للتربات في 2015، الأسس المتينة لعمل في جميع الاتجاهات لصالح التربة.

وينبغي الحفاظ على هذه الدينامية باستمرار، لا ليوم واحد، لأن التربة بحاجة للبشر على الأقل بالشكل الذي هم في حاجة إليها.

بقلم محمد سعد بويافري: و. م. ع

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.